كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الفخر:
ظاهر الآية يدل على أنه يجب أن يكون جزاء الصيد مثل المقتول، إلا أنهم اختلفوا في المثل، فقال الشافعي ومحمد بن الحسن: الصيد ضربان: منه ما له مثل، ومنه ما لا مثل له، فما له مثل يضمن بمثله من النعم، وما لا مثل له يضمن بالقيمة.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: المثل الواجب هو القيمة.
وحجة الشافعي: القرآن، والخبر، والإجماع، والقياس، أما القرآن فقوله تعالى: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّدًا فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} والاستدلال به من وجوه أربعة: الأول: أن جماعة من القراء قرؤا {فَجَزَاء} بالتنوين، ومعناه: فجزاء من النعم مماثل لما قتل، فمن قال إنه مثله في القيمة فقد خالف النص، وثانيها: أن قومًا آخرين قرؤا {فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ} بالإضافة، والتقدير: فجزاء ما قتل من النعم، أي فجزاء مثل ما قتل يجب أن يكون من النعم، فمن لم يوجبه فقد خالف النص، ثالثها: قراءة ابن مسعود {فَجَزَاؤُهُ مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} وذلك صريح فيما قلناه: ورابعها: أن قوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ هَدْيًا بالغ الكعبة} صريح في أن ذلك الجزاء الذي يحكم به ذوا عدل منهم، يجب أن يكون هديًا بالغ الكعبة.
فإن قيل: إنه يشري بتلك القيمة هذا الهدى.
قلنا: النص صريح في أن ذلك الشيء الذي يحكم به ذوا عدل يجب أن يكون هديًا وأنتم تقولون: الواجب هو القيمة، ثم إنه يكون بالخيار إن شاء اشترى بها هديًا يهدي إلى الكعبة، وإن شاء لم يفعل، فكان ذلك على خلاف النص، وأما الخبر: فما روى جابر بن عبد الله أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع، أصيد هو؟ فقال: «نعم، وفيه كبش إذا أخذه المحرم»، وهذا نص صريح.
وأما الإجماع: فهو أن الشافعي رحمه الله قال: تظاهرت الروايات عن علي وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وابن عمر في بلدان مختلفة وأزمان شتى: أنهم حكموا في جزاء الصيد بالمثل من النعم، فحكموا في النعامة ببدنة، وفي حمار الوحش ببقرة، وفي الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الظبي بشاة، وفي الأرنب بجفرة، وفي رواية بعناق، وفي الضب بسخلة، وفي اليربوع بجفرة وهذا يدل على أنهم نظروا إلى أقرب الأشياء شبهًا بالصيد من النعم لا بالقيمة ولو حكموا بالقيمة لاختلف باختلاف الأسعار والظبي هو الغزال الكبير الذكر والغزال هو الأنثى واليربوع هو الفأرة الكبيرة تكون في الصحراء، والجفرة الأنثى من أولاد المعز إذا انفصلت عن أمها والذكر جفر والعناق الأنثى من أولاد المعز إذا قويت قبل تمام الحول.
وأما القياس فهو أن المقصود من الضمان جزاء الهالك ولا شك أن المماثلة كلما كانت أتم كان الجزاء أتم فكان الايجب أولى.
حجة ابي حنيفة رحمه الله تعالى: لا نزاع أن الصيد المقتول إذا لم يكن له مثل فإنه يضمن بالقيمة فكان المراد بالمثل في قوله: {فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} هو القيمة في هذه الصورة، فوجب أن يكون في سائر الصور كذلك لأن اللفظ الواحد لا يجوز حمله إلا على المعنى الواحد.
والجواب: أن حقيقة المماثلة أمر معلوم والشارع أوجب رعاية المماثلة فوجب رعايتها بأقصى الامكان فإن أمكنت رعايتها في الصورة وجب ذلك وإن لم يكن رعايتها إلا بالقيمة وجب الاكتفاء بها للضرورة. اهـ.
وقال الفخر:
جماعة محرمون قتلوا صيدًا.
قال الشافعي رحمه الله: لا يجب عليهم إلا جزاء واحدًا، وهو قول أحمد وإسحاق، وقال أبو حنيفة ومالك والثوري رحمهم الله: يجب على كل واحد منهم جزاء واحد.
حجة الشافعي رحمه الله: أن الآية دلت على وجوب المثل، ومثل الواحد واحد وأكد هذا بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال بمثل قولنا: حجة أبي حنيفة رحمه الله أن كل واحد منهم قاتل فوجب أن يجب على كل وحد منهم جزاء كامل، بيان الأول أن جماعة لو حلف كل واحد منهم أن لا يقتل صيدًا فقتلوا صيدًا واحدًا لزم كل واحد منهم كفارة، وكذلك القصاص المتعلق بالقتل يجب على جماعة يقتلون واحدًا، وإذا ثبت أن كل واحد منهم قاتل وجب أن يجب على كل واحد منهم جزاء كامل لقوله تعالى: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّدًا فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} فقوله: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّدًا} صيغة عموم فيتناول كل القاتلين.
أجاب الشافعي رحمه الله: بأن القتل شيء واحد فيمتنع حصوله بتمامه بأكثر من فاعل واحد فإذا اجتمعوا حصل بمجموع أفعالهم قتل واحد وإذا كان كذلك امتنع كون كل واحد منهم قاتلًا في الحقيقة وإذا ثبت أن كل واحد منهم ليس بقاتل لم يدخل تحت هذه الآية وأما قتل الجماعة بالواحد فذاك ثبت على سبيل التعبد وكذا القول في إيجاب الكفارات المتعددة. اهـ.
وقال الفخر:
قال الشافعي رحمه الله: المحرم إذا دل غيره على صيد، فقتله المدلول عليه لم يضمن الدال الجزاء، وقال أبو حنيفة رحمه الله: يضمن حجة الشافعي أن وجوب الجزاء معلق بالقتل في هذه الآية والدلالة ليست بقتل فوجب أن لا يجب الضمان ولأنه بدل المتلف فلا يجب بالدلالة ككفارة القتل والدية، وكالدلالة على مال المسلم.
حجة أبي حنيفة رحمه الله أنه سئل عمر عن هذه المسألة فشاور عبد الرحمن بن عوف فأجمعا على أن عليه الجزاء وعن ابن عباس أنه أوجب الجزاء على الدال، أجاب الشافعي رحمه الله: بأن نص القرآن خير من أثر بعض الصحابة.
فصل:
قال الشافعي رحمه الله: إن جرح ظبيًا فنقص من قيمته العشر فعليه عشر قيمة الشاة، وقال داود لا يضمن ألبتة سوى القتل، وقال المزني عليه شاة.
حجة داود أن الآية دالة على أن شرط وجوب الجزاء هو القتل، فإذا لم يوجد القتل: وجب أن لا يجب الجزاء ألبتة، وجوابه أن المعلق على القتل، وجوب مثل المقتول، وعندنا أن هذا لا يجب عند عدم القتل فسقط قوله.
فصل:
إذا رمى من الحل والصيد في الحل، فمر في السهم طائفة من الحرم، قال الشافعي رحمه الله: يحرم وعليه والجزاء، وقال أبو حنيفة: لا يحرم.
حجة الشافعي: أن سبب الذبح مركب من أجزاء، بعضها مباح وبعضها محرم، وهو المرور في الحرم، وما اجتمع الحرام والحلال إلا وغلب الحرام الحلال، لاسيما في الذبح الذي الأصل فيه الحرمة.
وحجة أبي حنيفة رضي الله عنه: أن قوله تعالى: {لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} نهى له عن الاصطياد حال كونه في الحرم، فلما لم يوجد واحد من هذين الأمرين وجب أن لا تحصل الحرمة.
فصل:
الحلال إذا اصطاد صيدًا وأدخله الحرم لزمه الارسال وإن ذبحه حرم ولزمه الجزاء وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال الشافعي رحمه الله يحل، وليس عليه ضمان.
حجة الشافعي: قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلّى الصيد وَأَنتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] وحجة أبي حنيفة قوله تعالى: {لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} نهى عن قتل الصيد حال كونه محرمًا، وهذا يتناول الصيد الذي اصطاده في الحل، والذي اصطاده في الحرم.
فصل:
إذا قتل المحرم صيدًا وأدى جزاءه، ثم قتل صيدًا آخر لزمة جزاء آخر، وقال داود: لا يجب حجة الجمهور: أن قوله تعالى: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّدًا فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} ظاهره يقتضي أن علة وجوب الجزاء هو القتل، فوجب أن يتكرر الحكم عند تكرر العلة.
فإن قيل: إذا قال الرجل لنسائه، من دخل منكن الدار فهي طالق، فدخلت واحدة مرتين لم يقع إلا طلاق واحد.
قلنا: الفرق أن القتل علة لوجوب الجزاء، فيلزم تكرر الحكم عند تكرر العلة.
أما ههنا: دخول الدار شرط لوقوع الطلاق، فلم يلزم تكرر الحكم عند تكرر الشرط.
حجة داود: قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} جعل جزاء العائد الانتقام لا الكفارة.
فصل:
قال الشافعي رحمه الله: إذا أصاب صيدًا أعور أو مكسور اليد أو الرجل فداه بمثله، والصحيح أحب إليّ، وعلى هذا الكبير أولى من الصغير، ويفدى الذكر بالذكر، والأنثى بالأنثى، والأولى أن لايغير، لأن نص القرآن إيجاب المثل، والأنثى وإن كانت أفضل من الذكر من حيث إنها تلد، فالذكر أفضل من الأنثى لأن لحمه أطيب وصورته أحسن. اهـ. بتصرف يسير.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ}
قال ابن عباس: يريد يحكم في جزاء الصيد رجلان صالحان ذوا عدل منكم أي من أهل ملتكم ودينكم فقيهان عدلان فينظران إلى أشبه الأشباه به من النعم فيحكمان به، واحتج به من نصر قول أبي حنيفة رحمه الله في إيجاب القيمة، فقال: التقويم هو المحتاج إلى النظر والاجتهاد، وأما الخلقة والصورة، فظاهرة مشاهدة لا يحتاج فيها إلى الاجتهاد.
وجوابه: أن وجوه المشابهة بين النعم وبين الصيد مختلفة وكثيرة، فلابد من الاجتهاد في تمييز الأقوى من الأضعف، والذي يدل على صحة ما ذكرنا أنه قال ميمون بن مهران: جاء أعرابي إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال: إني أصبت من الصيد كذا وكذا، فسأل أبو بكر رضي الله عنه أبي بن كعب، فقال الأعرابي: أتيتك أسألك، وأنت تسأل غيرك، فقال أبو بكر رضي الله عنه: وما أنكرت من ذلك، قال الله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ} فشاورت صاحبي، فإذا اتفقنا على شيء أمرناك به، وعن قبيصة بن جابر: أنه حين كان محرمًا ضرب ظبيًا فمات، فسأل عمر بن الخطاب رضي لله عنه، وكان بجنبه عبد الرحمن بن عوف، فقال عمر لعبد الرحمن: ما ترى؟ قال: عليه شاة.
قال: وأنا أرى ذلك، فقال: إذهب فاهد شاة.
قال قبيصة: فخرجت إلى صاحبي وقلت له إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره.
قال: ففاجأني عمر وعلاني بالدرة، وقال: أتقتل في الحرم وتسفه الحكم، قال الله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ} فأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف.
فصل:
قال الشافعي رحمه الله: الذي له مثل ضربان فما حكمت فيه الصحابة بحكم لا يعدل عنه إلى غيره، لأنهم شاهدوا التنزيل، وحضروا التأويل، وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى اجتهاد عدلين، فينظر إلى الأجناس الثلاثة من الأنعام فكل ما كان أقرب شبهًا به يوجبانه وقال مالك: يجب التحكيم فيما حكمت به الصحابة، وفيما لم تحكم به حجة الشافعي رحمه الله الآية دلت على أنه يجب أن يحكم به ذوا عدل، فإذا حكم به اثنان من الصحابة، فقد دخل تحت الآية، ثم ذاك أولى لما ذكرنا أنهم شاهدوا التنزيل، وحضروا التأويل.
فصل:
قال الشافعي رحمه الله: يجوز أن يكون القاتل أحد العدلين إذا كان أخطأ فيه، فإن تعمد لا يجوز، لأنه يفسق به، وقال مالك: لا يجوز كما في تقويم المتلفات.
حجة الشافعي رحمه الله: أنه تعالى أوجب أن يحكم به ذوا عدل، وإذا صدر عنه القتل خطأ كان عدلًا، فإذا حكم به هو وغيره فقد حكم به ذوا عدل، وأيضًا روي أن بعض الصحابة أوطأ فرسه ظبيًا، فسأل عمر عنه، فقال عمر: احكم فقال: أنت عدل يا أمير المؤمنين فاحكم، فقال عمر رضي الله عنه: إنما أمرتك أن تحكم وما أمرتك أن تزكيني، فقال: أرى فيه جديًا جمع الماء والشجر، فقال: افعل ما ترى، وعلى هذا التقدير قال أصحابنا: يجوز أن يكونا قاتلين.